اللجوء إلى الطبيب ضرورة، خاصة إذا واجه طفلك مشكلة سلوكية حادة أو ناجمة، مثلا، عن مرض عضوي أو تخلف عقلي. ولكن هناك مشكلات سلوكية شائعة يعانيها، تقريبا، كل الأطفال، ينبغي أن يلتفت إليها الآباء، لأن إهمالها يؤدي إلى مشكلات أخرى أكثر خطورة.
تعد الأحلام أولى درجات النجاح، فالحلم يساعد على تكوين هدف يسعى الإنسان إلى تحقيقه، إلا أن الانغماس في الأحلام، والبعد عن تطبيق الوسائل والأهداف لتحقيقها، يعد من باب المشكلات النفسية، التي تواجه كثيرا من الأبناء، وتزداد بوضوح، في مرحلة المراهقة.
هذا الاستغراق يطلق عليه (أحلام اليقظة) وهو انغماس الشخص في الأحلام، في وقت غير مناسب، على نحو يتضمن عدم القدرة على التركيز، فإذا زاد انغماس الشخص في أحلامه، إلى درجة إعاقته عن عمله، وواجباته، فان هذا يشير إلى تفاقم المشكلة. فمثلا لا يعتبر سلوكا عاديا، أن يقضي طفل عمره ما بين 8 ـ 10 سنوات أكثر من 10 دقائق في الأحلام.
وهناك أسباب عدة لاستغراق الطفل في أحلام اليقظة، منها: شعور الطفل أن أحلام اليقظة تعد أكثر إشباعا له من حياته الواقعية، خاصة عندما يشعر أن حياته شديدة الصعوبة، وغير قادرة على إشباع احتياجاته، بشكل كاف، مما يجعله يشعر أن أحلام اليقظة تعد مهربا ممتعا، لأن الأماني التي يجري تحقيقها، من خلال الخيال، تعطي شعورا قويا بالرضا، مقارنة بما يتحقق في الأنشطة اليومية المملة. فأحلام اليقظة تتيح للأطفال أن يروا أنفسهم أبطالا ومشهورين ومحصنين، ضد النقد والمشاعر السلبية، خاصة لو أنهم يملكون القدرة على العمل بكفاءة، غير أن مواهبهم لا تحظى بثناء الآخرين وتقديرهم.
وتظهر أحلام اليقظة، بوضوح، عند الأطفال ذوي الإعاقة، فغالبا ما يحلم هؤلاء الأطفال بأنهم طبيعيون ومشهورون، خاصة إن هناك العديد من المعوقات التي لا تساعدهم على التكيف في محيطهم التعليمي العادي، وان كانت الإعاقة قد تكون سببا في الاستغراق في أحلام اليقظة، فان الإحباط هو أسهل الطرق لهذه المشكلة لأن الرضا والشعور بالقوة التي يتعذر الحصول عليها في الواقع يجري البحث عنها في الخيال.
وإذا كان الإحباط ناتجا عن قلة التقدير، والإحساس بالفشل، فان الانفصال النفسي المبكر بين الأم وأولادها، يؤدي إلى الشعور بالخجل وعدم القدرة على التكيف، مما يصاحبه شعور كبير بالخجل والحرج في المواقف الاجتماعية، التي يهربون منها إلى أحلام اليقظة حيث يجدون متعة كبيرة خالية من الأحاسيس السالبة.
ولوقاية الأولاد من الاستغراق في أحلام اليقظة، والتي تأتي غالبا كرد فعل لإدراك الطفل إن تكيفه غير مناسب في محيطه الاجتماعي، يجب أن يشعروا بالكفاءة والأمان حتى يكون في مقدورهم التفاعل مع محيطهم بشكل فعال. فغرس الشعور بالكفاءة لدى الطفل. يقيه الحاجة إلى تطور الشعور بالإشباع من خلال أحلام اليقظة، ومنها يجب أن يكون الآباء حريصين على إعطاء الاستقلالية المناسبة لأطفالهم، من خلال قدرة أطفالهم على إنجاز المهمات التي تحقق لهم الحصول على ثناء الآخرين والشعور الشخصي بالإنجاز.
فإسناد المهمات للأطفال بما يناسب أعمارهم، وبما يشعرهم بالتحدي، يساعد على إحساس الطفل بذاته وكفاءته وشعوره بالرضا عن إنجازه، خاصة إن الشعور بالرضا عادة ما يقترن بالقدرة على معالجة الأمور بكفاءة ويجنبه كثيرا من الصعوبات، خاصة أحلام اليقظة.
أما إذا كان أحد أبنائك معاقا، فيجب أن تعمل ما في وسعك للتأكد من أن هذه الإعاقة لا تمنع الطفل من المشاركة الفعالة مع أصدقائه، خاصة انه كثيرا ما يجتاح المعاق شعور بالدونية، لإحساسه بأنه مختلف عن رفاقه، فالعمل على إشراك الأطفال المعاقين في نشاطات لا تحتاج مهارات تنقصهم، يساعدهم على الثقة بالنفس، وبالتالي عدم الحاجة إلى أحلام اليقظة.
وإذا كان أحد الأبناء يعاني أحلام اليقظة، فان هناك عدة خطوات تساعد على التغلب على هذه المشكلة:
ـ إشراك الأطفال في نشاطات مع أصدقائهم، وعدم وضعهم في ظروف الملل والعزلة، وتكليفهم بمهام صغيرة يقدرون على إتمامها وتشجيعهم ومكافآتهم على نجاحهم.
ـ تجاهل سلوك أحلام اليقظة والتشجيع والمكافأة على السلوك القائم على الانتباه والإنتاجية، فإشعار الطفل بإهمال سلوك ما ينبهه إلى هذا السلوك غير مناسب، ويجب أن يجري تجاهله كما إن السلوك المناسب يجب أن يعزز، سواء ماديا أو معنويا، لإشعار الطفل بأن الحياة الحقيقية أكثر إمتاعا من حياته الخيالية.
ـ مناقشة الأولاد في مضمون أحلامهم وإيجاد علاقة تسودها الحرية والثقة، إلى حد كبير، لمعرفة ما الذي يسيطر على أفكارهم ولماذا؟
ـ إذا كانت حالة الابن متأخرة، ولا يستطيع التمييز بين الحقيقة والخيال، فيجب الذهاب إلى أخصائيين نفسيين، لاستخدام أساليب محددة، ولتحديد أفضل لعلاج الابن.