--------------------------------------------------------------------------------
الرحمة .. هي معنى جامع للحسن في مظاهر المحبة بين المتحابين، والود بين المتوادين والألفة بين المتآلفين، والميل والرغبة بين المتراغبين، وفي لطف الترابط بين المترابطين.. فهي العلة في كل حادث كوني سواء كان وجودياً أو حيوياً أو عقلياً. بل هي أم العمل، فهي في ذاتها علة.
والرحمة؛ هي سنة الله تعالى الرحمن الرحيم في خلقه، بل وهي كتابه على نفسه سبحانه وتعالى؛ إذ يقول:
(فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) الأنعام 54.
وقال تعالى:
(كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) الانعام 12.
والرحمة هي بديهية بلغت من سعتها واحاطتها حد الخفاء، لأن كل شيء يتسع ويستطيل ويحيط فإنما يستعصي على الوضوح بمقدار اتساعه واستطالته.
إن كل ما في الكون وما فيه إنما بدأ بالرحمة وقام بها ويستمر ويدوم معها.. ويمكننا أن نتصور هذا من مجرد التفكير بالإجابة على التساؤلات التالية:
هل يمكن أن نتصور وجوداً ما، إذا حل التنافر والبغضاء بدل مظاهر الرحمة من الألفة والمحبة بين الأجزاء المكونة لذلك الوجود؟!
وماذا لو حل التنافر والبغضاء بين الذكر وانثاه؟ وبين الأم ووليدها؟ وبين الروح والجسد؟
والحقيقة من الواقع انه لا يمكن أن نتصور وجوداً - أي وجود - دون نظام.. وان أي نظام لا يمكن أن يوجد مع التنافر والبغضاء، لان النظام اصلاً هو حالة توافق ورحمة تنتج عن تآلف بين أجزاء الموجود.. ولذا فلا يمكن أن نجد وجوداً بلا نظام. ولذا فلا وجود بلا رحمة.
بالالفة ترتبط أجزاء الذرة (effemitty) ويبرز وجودها من تآلف البروتونات بشحنتها الموجبة في مكان واحد بقانون الرحمة مع تجاذبها بنفس القانون مع الاليكترونات السالبة في الغلاف وفق نظام وجود الذرة.
وبالرحمة ترتبط الجزيئات التي تبني عالمنا المادي المحسوس الذي نعيش فيه.. وللرحمة وبالرحمة تتفتح الزهور وتتعدد لونا وعطراً.. وللمحبة مظهر الرحمة تنجذب الفراشات والنحلات لتلك الزهور.. وللرحمة وبالرحمة تعطي النحلات العسل.. وبالرحمة وللرحمة تعطي النباتات الثمر. وتجود الأرض بالزرع.. وبالرحمة وللرحمة تغرد الطيور.. وتبني اعشاشها وتحتضن بيوضها.. وتزق افراخها.. وللرحمة وبالرحمة يحنو الآباء والامهات على صغارهم.. وبالرحمة وللرحمة تبتنى النفوس الصالحة في الناس.. وبالرحمة وللرحمة يسعى العقل السليم لأحكامه.
وبما أن المحبة هي مجسدات الرحمة في الواقع.. فهل يمكن أن نتصور أي شكل من أشكال الوجود دون وجود المحبة!! وهل يمكن أن يوجد شيء مع البغض والتنافر!!
ومن مبرزات وظواهر سعة الرحمة واحاطتها بكل وجود، هي كونها علة في كل حادث كوني وكل ظاهرة حياتية وكل حكم عقلي حسن.. قال تعالى:
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ) ص 9-10.
خزائن رحمة الله تعالى، وهي التي وسعت الكون والزمان (مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) في تساؤل رباني، أي في توجيه بأمر الله تعالى ولأمره، وإنما لبيان امره معلولاً لرحمته فليرتقوا في الأسباب حيث الرحمن الرحيم سبحانه هو مسبب الأسباب.
والحقيقة: أننا لا يمكن أن نعلل - بصدق دون قرينة الرحمة.. فكل علة لا تستند إلى هذه القرينة فإنما هي خارج معاني العلم بالعلة السبب - أحداث الطبيعية الكيمياوية والفيزياوية، ظواهر الليل والنهار والفصول الأربعة، والحر والبرد، والتزاوج والولادة، والموت والحياة وتوزيع المياه على الأرض (دورة المياه في الطبيعة)، ودورات الحياة لأي كائن حي... الخ كل هذه الحوادث معلولة للرحمة.
إن كل قوانين الطبيعة معلولة للرحمة، حتى شذوذ بعض الظواهر عن قوانين الطبيعة إنما يحصل تبعاً لسنة الرحمة، فمثلاً شذوذ الماء في ظاهرة التجمد في المناطق الباردة على سطح الأرض.
يعرف الغالب من المثقفين من مبادئ العلوم الطبيعية، أن هناك قانوناً ينظم العلاقة بين المادة في ابعادها وبين الحرارة هو قانون التمدد، الذي ينص: (إن ابعاد المادة تتمدد بارتفاع درجة الحرارة وتتقلص بالبرودة).. إلا أن مادة الماء والذي يغطي 5/4 سطح الأرض، فإنه يشذ عن هذا القانون عند بلوغ الماء درجة 4ْم، حيث يبدأ بالتمدد بالبرودة، ويزداد حجمه كلما ازدادات البرودة عكس المواد مما يؤدي إلى قلة كثافته خصوصاً بعد تصلبه إلى ثلج، مما يؤدي إلى ارتفاعه إلى السطح، وينزل في الوقت ذاته الماء الدافئ في (4ْم) إلى القاع.
وليس هناك علة نهائية لهذا الشذوذ غير الرحمة، فالماء بسبب قلة كثافته يطفو إلى السطح ويصير حاجزا يمنع من ايغال البرد في المناطق الباردة إلى أعماق الماء.. ففي الوقت الذي تشتد البرودة على سطح الأرض إلى درجات تبلغ العشرات تحت الصفر، تبقى الكائنات المائية الحية تسبح في بحبوحة من الدفء.. إذن فبالرحمة تحتفظ البيئة المائية بالحياة.. والبيئة البرية تعتمد إلى حد كبير في معاني حياتها على البيئة المائية.. ذلك لان هناك قوانين توازن محفوظ بين البيئتين لا يمكن تجاهلها على الإطلاق.
من هذا المثال، نجد أن الرحمة سنة حسنة في الكون، وهي أم لكل السنن وعلة كل العلل التي كان بها الكون ويقوم عليها ويستمر بها.
ونقول عن شهر رمضان انه شهر الرحمة، فماذا نعني من كون ما يشرع في هذا الشهر موسوماً بالعلة الرحمة؟!
أوجب الشارع المقدس الصيام في هذا الشهر من السنة.. في معناه الاصطلاحي إنما هو عبادة روحية نفسية راقية وليس مجرد الامتناع عن المفطرات.. ذلك لان الدين في معناه الخضوع والطاعة لله تعالى دون ضميمة أخرى، وهو ما يحققه معنى الصيام، حيث لا يطلع على معاني تحقق هذه العبادة إلى الله وحده سبحانه وتعالى.. وعن هذا المعنى يقول المعصومون:
يقول الإمام الصادق (ع):
(إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي وأنا اجزي عليه)(1).
وعنه أيضا (ع):
(قال الله تبارك وتعالى كل عمل ابن آدم هو له، غير الصيام هو لي وأنا اجزي عليه)(2).
وتبدو علة الرحمة واضحة في الصيام من أقوال المعصومين في ذلك:
1) الإمام الصادق (ع):
(أما العلة في الصيام ليستوي به الغني والفقير؛ وذلك لأن الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع؛ فيرحم الفقير، لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فاراد الله عز وجل أن يسوي بين خلقه وان يذيق الغني مسّ الجوع والالم، ليرق على الضعيف ويرحم الجائع)(3).
2) الإمام الرضا (ع):
في علة وجوب الصوم: (لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش، فيستدلوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً لما اصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإحسان عن الشهوات، وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل، ورائضاً لهم على أداء ما كلفهم، ودليلاً لهم في الاجل، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الــــفقر والمسكنة في الدنــيا، فيؤدّوا إليهم ما افترض الله تعالى لهم في امــــوالهم)(4).
3) فاطمة الزهراء (ع):
(فرض الله الصيام تثبيتاً للاخلاص)(5).
4) الإمام العسكري (ع):
(ليجد الغني مسّ الجوع، فيمنّ على الفقير)(6).
5) الإمام الحسين (ع):
(ليجد الغني مس الجوع، فيعود بالفضل على المسكين)(7).
6) الإمام الباقر (ع):
(الصيام والحج تسكين القلوب)(.
7) رسول الله (ص):
(الصوم يرقّ المصير، ويذيل اللحم، ويبعد من حرّ السعير)(9).
الإمام علي (ع):
(وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لاطرافهم وتخشيعاً لابصارهم، وتذليلاً لنفوسهم وتخفيضاً (تخضيعاً) لقلوبهم)(10).
وان ما يعنيه الصيام من خواء وعطش وجوع وكف الجوارح ونشاط الرقابة الذاتية في النفس إلى حد تكون معه النفس بعيدة عن الهوى والقسوة.. إن ما يعنيه الصيام هو الانتقال بالصائم إلى حيث مضاء سنة الرحمة وتحكمها محاكاة لأجواء الرحمة الخاصة التي تبرزها شعائر الصيام في هذا الشهر، والتي كانت به للناس غاية رحمة الله سبحانه وتعالى إليهم؛ حيث في هذا الشهر نزل القرآن العظيم.. نزل في ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر؛ باباً من واسع رحمته جل وعلا.
ومن واسع رحمة الله تعالى في هذا الشهر، كونه باباً لامضاء سننه الحسنة في الناس متداخلة، فقد اوقعت الشريعة المقدسة الصيام في مقدمات وواجبات ومستحبات وشعائر تستلزم نفاذ بقية السنن الحسنة في الكون، إضافة إلى أن الصيام جاء لامضاء سنة الرحمة اصلاً.
الرحمة .. هي معنى جامع للحسن في مظاهر المحبة بين المتحابين، والود بين المتوادين والألفة بين المتآلفين، والميل والرغبة بين المتراغبين، وفي لطف الترابط بين المترابطين.. فهي العلة في كل حادث كوني سواء كان وجودياً أو حيوياً أو عقلياً. بل هي أم العمل، فهي في ذاتها علة.
والرحمة؛ هي سنة الله تعالى الرحمن الرحيم في خلقه، بل وهي كتابه على نفسه سبحانه وتعالى؛ إذ يقول:
(فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) الأنعام 54.
وقال تعالى:
(كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) الانعام 12.
والرحمة هي بديهية بلغت من سعتها واحاطتها حد الخفاء، لأن كل شيء يتسع ويستطيل ويحيط فإنما يستعصي على الوضوح بمقدار اتساعه واستطالته.
إن كل ما في الكون وما فيه إنما بدأ بالرحمة وقام بها ويستمر ويدوم معها.. ويمكننا أن نتصور هذا من مجرد التفكير بالإجابة على التساؤلات التالية:
هل يمكن أن نتصور وجوداً ما، إذا حل التنافر والبغضاء بدل مظاهر الرحمة من الألفة والمحبة بين الأجزاء المكونة لذلك الوجود؟!
وماذا لو حل التنافر والبغضاء بين الذكر وانثاه؟ وبين الأم ووليدها؟ وبين الروح والجسد؟
والحقيقة من الواقع انه لا يمكن أن نتصور وجوداً - أي وجود - دون نظام.. وان أي نظام لا يمكن أن يوجد مع التنافر والبغضاء، لان النظام اصلاً هو حالة توافق ورحمة تنتج عن تآلف بين أجزاء الموجود.. ولذا فلا يمكن أن نجد وجوداً بلا نظام. ولذا فلا وجود بلا رحمة.
بالالفة ترتبط أجزاء الذرة (effemitty) ويبرز وجودها من تآلف البروتونات بشحنتها الموجبة في مكان واحد بقانون الرحمة مع تجاذبها بنفس القانون مع الاليكترونات السالبة في الغلاف وفق نظام وجود الذرة.
وبالرحمة ترتبط الجزيئات التي تبني عالمنا المادي المحسوس الذي نعيش فيه.. وللرحمة وبالرحمة تتفتح الزهور وتتعدد لونا وعطراً.. وللمحبة مظهر الرحمة تنجذب الفراشات والنحلات لتلك الزهور.. وللرحمة وبالرحمة تعطي النحلات العسل.. وبالرحمة وللرحمة تعطي النباتات الثمر. وتجود الأرض بالزرع.. وبالرحمة وللرحمة تغرد الطيور.. وتبني اعشاشها وتحتضن بيوضها.. وتزق افراخها.. وللرحمة وبالرحمة يحنو الآباء والامهات على صغارهم.. وبالرحمة وللرحمة تبتنى النفوس الصالحة في الناس.. وبالرحمة وللرحمة يسعى العقل السليم لأحكامه.
وبما أن المحبة هي مجسدات الرحمة في الواقع.. فهل يمكن أن نتصور أي شكل من أشكال الوجود دون وجود المحبة!! وهل يمكن أن يوجد شيء مع البغض والتنافر!!
ومن مبرزات وظواهر سعة الرحمة واحاطتها بكل وجود، هي كونها علة في كل حادث كوني وكل ظاهرة حياتية وكل حكم عقلي حسن.. قال تعالى:
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ) ص 9-10.
خزائن رحمة الله تعالى، وهي التي وسعت الكون والزمان (مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) في تساؤل رباني، أي في توجيه بأمر الله تعالى ولأمره، وإنما لبيان امره معلولاً لرحمته فليرتقوا في الأسباب حيث الرحمن الرحيم سبحانه هو مسبب الأسباب.
والحقيقة: أننا لا يمكن أن نعلل - بصدق دون قرينة الرحمة.. فكل علة لا تستند إلى هذه القرينة فإنما هي خارج معاني العلم بالعلة السبب - أحداث الطبيعية الكيمياوية والفيزياوية، ظواهر الليل والنهار والفصول الأربعة، والحر والبرد، والتزاوج والولادة، والموت والحياة وتوزيع المياه على الأرض (دورة المياه في الطبيعة)، ودورات الحياة لأي كائن حي... الخ كل هذه الحوادث معلولة للرحمة.
إن كل قوانين الطبيعة معلولة للرحمة، حتى شذوذ بعض الظواهر عن قوانين الطبيعة إنما يحصل تبعاً لسنة الرحمة، فمثلاً شذوذ الماء في ظاهرة التجمد في المناطق الباردة على سطح الأرض.
يعرف الغالب من المثقفين من مبادئ العلوم الطبيعية، أن هناك قانوناً ينظم العلاقة بين المادة في ابعادها وبين الحرارة هو قانون التمدد، الذي ينص: (إن ابعاد المادة تتمدد بارتفاع درجة الحرارة وتتقلص بالبرودة).. إلا أن مادة الماء والذي يغطي 5/4 سطح الأرض، فإنه يشذ عن هذا القانون عند بلوغ الماء درجة 4ْم، حيث يبدأ بالتمدد بالبرودة، ويزداد حجمه كلما ازدادات البرودة عكس المواد مما يؤدي إلى قلة كثافته خصوصاً بعد تصلبه إلى ثلج، مما يؤدي إلى ارتفاعه إلى السطح، وينزل في الوقت ذاته الماء الدافئ في (4ْم) إلى القاع.
وليس هناك علة نهائية لهذا الشذوذ غير الرحمة، فالماء بسبب قلة كثافته يطفو إلى السطح ويصير حاجزا يمنع من ايغال البرد في المناطق الباردة إلى أعماق الماء.. ففي الوقت الذي تشتد البرودة على سطح الأرض إلى درجات تبلغ العشرات تحت الصفر، تبقى الكائنات المائية الحية تسبح في بحبوحة من الدفء.. إذن فبالرحمة تحتفظ البيئة المائية بالحياة.. والبيئة البرية تعتمد إلى حد كبير في معاني حياتها على البيئة المائية.. ذلك لان هناك قوانين توازن محفوظ بين البيئتين لا يمكن تجاهلها على الإطلاق.
من هذا المثال، نجد أن الرحمة سنة حسنة في الكون، وهي أم لكل السنن وعلة كل العلل التي كان بها الكون ويقوم عليها ويستمر بها.
ونقول عن شهر رمضان انه شهر الرحمة، فماذا نعني من كون ما يشرع في هذا الشهر موسوماً بالعلة الرحمة؟!
أوجب الشارع المقدس الصيام في هذا الشهر من السنة.. في معناه الاصطلاحي إنما هو عبادة روحية نفسية راقية وليس مجرد الامتناع عن المفطرات.. ذلك لان الدين في معناه الخضوع والطاعة لله تعالى دون ضميمة أخرى، وهو ما يحققه معنى الصيام، حيث لا يطلع على معاني تحقق هذه العبادة إلى الله وحده سبحانه وتعالى.. وعن هذا المعنى يقول المعصومون:
يقول الإمام الصادق (ع):
(إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي وأنا اجزي عليه)(1).
وعنه أيضا (ع):
(قال الله تبارك وتعالى كل عمل ابن آدم هو له، غير الصيام هو لي وأنا اجزي عليه)(2).
وتبدو علة الرحمة واضحة في الصيام من أقوال المعصومين في ذلك:
1) الإمام الصادق (ع):
(أما العلة في الصيام ليستوي به الغني والفقير؛ وذلك لأن الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع؛ فيرحم الفقير، لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فاراد الله عز وجل أن يسوي بين خلقه وان يذيق الغني مسّ الجوع والالم، ليرق على الضعيف ويرحم الجائع)(3).
2) الإمام الرضا (ع):
في علة وجوب الصوم: (لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش، فيستدلوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً لما اصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإحسان عن الشهوات، وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل، ورائضاً لهم على أداء ما كلفهم، ودليلاً لهم في الاجل، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الــــفقر والمسكنة في الدنــيا، فيؤدّوا إليهم ما افترض الله تعالى لهم في امــــوالهم)(4).
3) فاطمة الزهراء (ع):
(فرض الله الصيام تثبيتاً للاخلاص)(5).
4) الإمام العسكري (ع):
(ليجد الغني مسّ الجوع، فيمنّ على الفقير)(6).
5) الإمام الحسين (ع):
(ليجد الغني مس الجوع، فيعود بالفضل على المسكين)(7).
6) الإمام الباقر (ع):
(الصيام والحج تسكين القلوب)(.
7) رسول الله (ص):
(الصوم يرقّ المصير، ويذيل اللحم، ويبعد من حرّ السعير)(9).
الإمام علي (ع):
(وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لاطرافهم وتخشيعاً لابصارهم، وتذليلاً لنفوسهم وتخفيضاً (تخضيعاً) لقلوبهم)(10).
وان ما يعنيه الصيام من خواء وعطش وجوع وكف الجوارح ونشاط الرقابة الذاتية في النفس إلى حد تكون معه النفس بعيدة عن الهوى والقسوة.. إن ما يعنيه الصيام هو الانتقال بالصائم إلى حيث مضاء سنة الرحمة وتحكمها محاكاة لأجواء الرحمة الخاصة التي تبرزها شعائر الصيام في هذا الشهر، والتي كانت به للناس غاية رحمة الله سبحانه وتعالى إليهم؛ حيث في هذا الشهر نزل القرآن العظيم.. نزل في ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر؛ باباً من واسع رحمته جل وعلا.
ومن واسع رحمة الله تعالى في هذا الشهر، كونه باباً لامضاء سننه الحسنة في الناس متداخلة، فقد اوقعت الشريعة المقدسة الصيام في مقدمات وواجبات ومستحبات وشعائر تستلزم نفاذ بقية السنن الحسنة في الكون، إضافة إلى أن الصيام جاء لامضاء سنة الرحمة اصلاً.